بذات التسلسل الذي أفكر به في الانتحار
عادة.. لا شىء من هذا باقٍ، لا شىء محتمل، لا معنى لهذا كله، والأمر كله – وبالأمر
أعني الحياة في مجملها – أصعب مما ينبغي.. أصعب كثيرا مما ينبغي، وأمامي على حائط
اليأس العظيم وقعت عيني على تلك العبارات تباعا: كسم كل ده كان ليه؟ خصومة قلبي مع
الله ليس سواه – واحمل عبء قلبك وحدك التي قرأتها مرارا، ثم عدت مجددا للسؤال
الأول.. كسّم كل ده كان ليه؟
لم أفكر – كما أفعل عادة ـ في تلك المصيبة
التي قد أجلبها على الرفاق في البيت حين يدخل أحدهم غرفتي ليجد جثة جميلة باردة وفراش
غارق في الدماء، ولا في الديون "المتلتلة" التي أدين بها للكثيرين
والحيطان الكثيرة التي سألبسهم فيها، لم أفكر حتى في نجلاء.
فكرت فقط ألا مجال للعودة هذه المرة..
هذه المرة لم أفكر في تقطيع شراييني كالمرة
السابقة، ولا في إلقاء نفسي من النافذة كالمرات التي سبقتها، فكرت في دواء السكر..
سآخد جرعة كبيرة جميلة من دواء السكر، وهوب، غيبوبة سكر، ثم هوب، لا شئ.
لم أفكر في الآخرة، هذه الفكرة التي طردتها
من رأسي بالتدريج، فلم تبق منها سوى رواسب باهتة عادة ما تكون آخر ما أقلق بشأنه
عندما أفكر في الانتحار، أنا لست متيقنة من شئ بالطبع، ولكن عقلي يخبرني أن لو كانت
هناك عدالة حقيقة لتحققت على الأرض قبل أن تتحقق في عوالم الغيب، وأن تلك العدالة
الحقيقة إن وجدت ستتفهم ما جرّني لهذا الموقف المحرج.
لم أفكر فيك يا يوسف، كنت على الجانب الآخر
من الهاتف، تتحدث وتتحدث، وتلقي باللوم عليّ في أشياء تعلم جيّدا ألا لوم عليّ
فيها، وفي خيالي، رأيتك ممسكا بإزميل صغير، ورأيت نفسي تمثالا من الطين، وأنت
تفتته بهدوء حينا وبعنف حينا. كان شعر التمثال في خيالي أطول من شعري قليلا.
عندما انتهى طيفك من تحطيم التمثال، كنت أنت
مازلت على الهاتف، وكنت أجيبك وأنا أصرخ، وأفكر في اسم دواء السكر.. أسيدوفاج كان
اسمه؟ لايهم، سأتأكّد من على الانترنت.. نعم، دواء السكر.. هكذا ينتحر ذوو
الخلفيات الطبية، دون ألم ودون فوضى ودون مشانق معلقة أو دماء على الفراش.. ودون
سبيل للعودة أو للإنقاذ.
سأنهي مكالمتنا الآن، سأطلب الصيدلية، سيأتي
الدواء، سأتناول العلبة كاملة، وأنسحب في هدوء من تلك المعركة العبثية برمتّها.
هنا، بعد أن اكتملت ملامح خطتي المحكمة،
تذكّرتك يا عب غني، شعرت أنني أخون اتفاقنا بأن ننتحر معًا عندما تتأكد من أنك
لبست جيش في مايو القادم. شعرت بالذنب قليلا، ولكن أخبرت نفسي أنك ولابد ستتفهم هذا
كله يوما.
عندما قررت أن أطلب الصيدلية، أدركت ألا رصيد
في الموبايل.. وأنني اقترضت من أوغاد فودافون كل ما يمكن اقتراضه، وأن تليفون
المنزل خارج الخدمة لأننا لم ندفع الفاتورة.. ضحكت كثيرا لقاع البؤس الذي أسبح فيه
وحدي، ثم فكّرت فيما أفكر فيه عادة عندما أهم بالانتحار: الأصدقاء، الديون، نجلاء.
لن أنتحر اليوم يا عب غني، الإفلاس أنقذ
حياتي.. تخيل؟ سأبقى على خطتنا السابقة، لننتحر معا في مايو المقبل، وأعدك أنني
سأحتفظ في أقرب فرصة بأحد كروت الفكة في محفظتي – بعد أن أشتري محفظة بدلا من تلك
التي سرقها ذلك الخول مؤخرا – لنجري المكالمة التي ستنقذنا من كل هذا.