لابد أن تقع فى غرامه من أول نظره، ملابسه الداخلية الممزقة التي يرتديها تحت البدلة فى زفاف ابنته، بيجامته المخططة الكلاسيكية جدا، وقلنسوته التى يظهر بها فى البيت، والتى تجعل من الصعب أن تأخذه على محمل الجد أحيانا، تفاصيل تدخل قلبك مباشرة تستقر هناك، واضعة مقاييسا جديدة عن الأب المثالي.
عن عبد المنعم مدبولي فى فيلم الحفيد أو "الأستاذ حسين" نتحدث ..
هو الرجل الذي يفضل معظم الوقت الحياة على الهامش ، متعاميا عما قد يمثل مصدر إزعاج مُحتمل، تراه طوال الأحداث جالسا فى الصالة أو فى حجرته ومن حوله صخب الزوجة - التى هي على النقيض تماما منه، مصدر إزعاج وطرف فاعل فى جميع المشاجرات المنزلية - والأبناء، متجاهلا كل هذا منهمكا فى جريدة ما أو فى "لضم" خيط فى إبرة لرتق أحد جواربه .. غير مُهتم حتى بمعرفة ما يدور من حوله ، وفى معظم الأحيان يتم الزج به فى الأحداث دون رغبة منه.
تنتهي لا مُبالاة "حسين" تلقائيا عندما يتعلق الأمر بدوره كعائل ورب أسرة، وبالرغم من تبرّمه المستمر مما يجده - من وجهة نظره الشخصية - غير ضروري بالمرة من طلبات الزوجة والأبناء، إلا أنّه لا يُقصّر مطلقا فى توفير أيا من تلك الطلبات، متكبدا فى ذلك ما يفوق إمكانياته المحدودة كموظف بسيط معظم الوقت..
تجده بالرغم من حرصه العام على عدم التورط فيما لا يعنيه، واعترافه بأن " ماما هى اللي مسؤولة عن البيت ده "، جالسا إلى السفرة مساء لمساعدة الصغار على المُذاكرة دون تبرّم، بالرغم من سنّه المتقدمة - فهو أب وجد - وكثرة أعبائه فى العموم.
وتجده بذات الأريحية، جالسا مع الجميع لمتابعة فيلم كرتون، باندهاش طفولي لا يقل عن اندهاش أصغر أطفاله سنّا.
وهو - كما قد يصنّفه البعض - ليس تربويا بالدرجة الأولى، ولكنّه يعلم على وجه الدقة متى ينبغي له التراجع، وإفساح مجال لحيوات أبنائه، واعيا تماما لحقيقة يجدها معظم الآباء مزعجة فيتجاهلونها عمدا، وهي أن تلك الحيوات مُختلفة بالضرورة عن حياته، وأن هذا، إضافة لحتميته، فى الصالح العام.
حسين، على عكس الأب كما عرفناه، فوجوده فى البيت لا يعني مطلقا ضجيج أقل أو انضباط أكثر، لا يعني أن على الأطفال المذاكرة أو التظاهر بالمذاكرة طوال الوقت، لا يعني أى شىء سوى كيان خفيف يمكن الاحتكام إليه عندما تتعقد الأمور لسبب أو لآخر مع "زينب" الزوجة الصارمة .. كيان تعلم أنّه سيتفهّم مواقف الجميع دون تحيّز، ثم يُبدي رأيه دون أدنى حرص على أن يؤخذ به، قبل أن ينسحب إلى قوقعته مرة أخرى ..
لابد أن تعترف أن هذه هى نوعية الآباء التى تريدها، ليس عاطفيا دراميا يغدق الحب والأحضان دون مناسبة، ولا يمت بصلة للنموذج الشائع للأب المصري "السخيف" بكيانه الثقيل المزعج، لابد أن تقولها بينك وبين نفسك مع انتهاء الفيلم " أنا عايز أب زى ده ".

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قول ما بدالك