الكتيب الأول : أسطورة آكل البشر
المكان : مدرسة أبوزهرة الإسلامية - أحد فصول المرحلة الابتدائية
الزمان : على الأرجح كنّا فى الصف الخامس الابتدائى - على الأرجح كانت حصة دراسات اجتماعية ..
فى اعتقادى الشخصي، ومن خلال متابعة المقالات المتعلقة بالموضوع وتعليقات المُهتمين، كانت البدايات متشابهة إلى درجة مثيرة، باختلاف طفيف فى الأعداد والأماكن ، جميعا تعرفنا إلى هذه السلسلة فى بدايات المراهقة، كلّنا تداولناها بحرص فى الحصص المملة وفى ليالي المذاكرة المرهقة .. كلّنا تشربناها بذات الشغف، وكلّنا تساءلنا فى مرحلة ما "هل دكتور رفعت شخصية حقيقية؟" وتابعنا فى حيرة إجابة د.أحمد خالد توفيق المُبهمة عن عدم جدوى التساؤل، وإفساده للمتعة، وتوصلّنا للحقيقة تدريجيا وتقبلناها.
مضت السنوات فى مصر-أخشى- من سىء إلى أسوأ، العالم كما كنّا نعرفه -عن جيل الثمانينات أتحدّث- يتلاشى تماما، للدقة هو يخضع لعملية تشويه ، يتسارع ايقاعها يوما بعد الآخر وتزداد حدّتها، ويمكننا القول أن نبأ "موت رفعت اسماعيل" كان فاجعة جديدة تضاف لهذا كلّه ..ربما هذا ما يقوله د.خالد لنفسه وهو يغتال أحب شخصياته إلى قلبه على الورق، ببساطة، أردتم كهلا حقيقيا يروى قصص الرعب، وكان لكن ما أردتم، خمنوا ماذا؟ الكهول يموتون.. هذا ما يفعلونه عادة.. لا شىء من هذا يخيف ولا مفاجأة هنالك*. وهاهى قضمة كبيرة من مراهقة الجميع تتلاشى، صدع جديد فى المساحة الضيقة المتبقية من أرضية مشتركة كنّا نقف عليها يوما يتركنا أكثر تباعدا .. والآن ماذا؟
رحل رفعت ، مخلّفا كنزا مما يمكن تصنيفه فى اعتقاي الشخصي كأفضل ما كُتب فى أدب الرعب بالعربية، إرث مغرٍ للغاية، تركة خصبة يمكن إعادة تدويرها فى أعمال - سينمائية أو تليفزيونية أو إذاعية حتى - ستستفيد بالضرورة من النجاح الذى حققته تلك الكتيبات المصفرة الأوراق سابقا، وقاعدتها الجماهيرية العريضة ويتحوّل كل هذا إلى بيزنس.
حبّا بالله، فلندع العجوز يرقد فى سلام، فبعيدا عن فشل التجربة فى العموم - عن تجربة تحويل الرويات لأعمال مرئية نتحدث - أو انتهائها على أحسن الفروض لنتائج هى أقل جودة من العمل الأصلي، رفعت اسماعيل كائن ورقي بحت، إذا حاولت انتزاعه من كتيبات أحمد خالد توفيق الصغيرة، سيتشوّه تماما .. دعك من أن تحويل الخيال لواقع غالبا ما يكون مٌخيبا للآمآل، فلا أعتقد أن د.خالد قد ترك لنا الكثير لنرسمه بخيالنا، لقد راعى الرجل وصف التفاصيل الدقيقة، بحيث لم يعد ثمّ مجال للاختلاف فى تصور العجوز العصبى الذى يشبه عصا المكنسة الصلعاء، ويدخن كقاطرة، ويحتفظ بعلبة أقراص النيتروجلسرين فى جيب حلّته الكحلية التى تجعله فاتنا.. لكن خروج رفعت للحياة فى عمل مرئى هو امتهان لشخصية لا ينبغى امتهانها، لا يمكن لأيا كان أن يؤدى رفعت، رفعت لا يؤديه إلا رفعت نفسه، وكفى.
هذا، بخلاف حسابات مواقع التواصل الاجتماعى التى تضاعفت خلال يومين بعد انتشار خبر موته، حسابات تحمل اسم رفعت وماجى وميدوسا، وقريبا عزّت وهن تشو كان والبقية، كل هذا بدا لوهلة طريفا، فعلى الصفحة المعنية بتنظيم حفل تأبين رفعت -بالمناسبة فكرة الصفحة بحد ذاتها لطيفة للغاية، التواجد هناك مٌريح فى حد ذاته - كان طريفا أن تجد تساؤلا من حساب باسم رفعت اسماعيل عمّا يحدث هنا، وتوبيخا من حساب آخر باسم ماجي ماكيلوب عن أنه مات دون أن يعلمها، كل هذا لطيف ومطمئن طالما استمد وجوده من تلك الوريقات المصفرة، طالما التزم القائمون على تلك الصفحات بقواعد اللعبة، طالما استمدوا عباراتهم اللطيفة من الكتيبات الصغيرة ، لكن الخوف كل الخوف من فكرة ال abuse الذى هو نمط حياة مصري خالص، سرعان ما ستجد مئات الحسابات باسم رفعت اسماعيل، وماجى والآخرين، ربما سيبدأ أحدها فى تبني موقف سياسي بعينه، أو إلقاء نكات سخيفة، و ربما يتجه أحدها لاجتذاب المتابعين بأغراض التعارف الشخصي .. أنت فى مصر يا عزيزى، حيث التشويه دستور الأشياء ..
لهذا، والنداء إلى من يهمّه الأمر وأحسبنا كثيرون، دعنا لا نبتذل تلك الكتيبات الصغيرة التى شكلت مراهقتنا وشبابنا، لا تفسدوهن يا أناندا .. لا تشوهوهن يا أناندا .. "اتركوا لي ما تبقى مني" أو كما قال .
* من قصيدة أمر طبيعي لتميم البرغوثي.
المكان : مدرسة أبوزهرة الإسلامية - أحد فصول المرحلة الابتدائية
الزمان : على الأرجح كنّا فى الصف الخامس الابتدائى - على الأرجح كانت حصة دراسات اجتماعية ..
فى اعتقادى الشخصي، ومن خلال متابعة المقالات المتعلقة بالموضوع وتعليقات المُهتمين، كانت البدايات متشابهة إلى درجة مثيرة، باختلاف طفيف فى الأعداد والأماكن ، جميعا تعرفنا إلى هذه السلسلة فى بدايات المراهقة، كلّنا تداولناها بحرص فى الحصص المملة وفى ليالي المذاكرة المرهقة .. كلّنا تشربناها بذات الشغف، وكلّنا تساءلنا فى مرحلة ما "هل دكتور رفعت شخصية حقيقية؟" وتابعنا فى حيرة إجابة د.أحمد خالد توفيق المُبهمة عن عدم جدوى التساؤل، وإفساده للمتعة، وتوصلّنا للحقيقة تدريجيا وتقبلناها.
مضت السنوات فى مصر-أخشى- من سىء إلى أسوأ، العالم كما كنّا نعرفه -عن جيل الثمانينات أتحدّث- يتلاشى تماما، للدقة هو يخضع لعملية تشويه ، يتسارع ايقاعها يوما بعد الآخر وتزداد حدّتها، ويمكننا القول أن نبأ "موت رفعت اسماعيل" كان فاجعة جديدة تضاف لهذا كلّه ..ربما هذا ما يقوله د.خالد لنفسه وهو يغتال أحب شخصياته إلى قلبه على الورق، ببساطة، أردتم كهلا حقيقيا يروى قصص الرعب، وكان لكن ما أردتم، خمنوا ماذا؟ الكهول يموتون.. هذا ما يفعلونه عادة.. لا شىء من هذا يخيف ولا مفاجأة هنالك*. وهاهى قضمة كبيرة من مراهقة الجميع تتلاشى، صدع جديد فى المساحة الضيقة المتبقية من أرضية مشتركة كنّا نقف عليها يوما يتركنا أكثر تباعدا .. والآن ماذا؟
رحل رفعت ، مخلّفا كنزا مما يمكن تصنيفه فى اعتقاي الشخصي كأفضل ما كُتب فى أدب الرعب بالعربية، إرث مغرٍ للغاية، تركة خصبة يمكن إعادة تدويرها فى أعمال - سينمائية أو تليفزيونية أو إذاعية حتى - ستستفيد بالضرورة من النجاح الذى حققته تلك الكتيبات المصفرة الأوراق سابقا، وقاعدتها الجماهيرية العريضة ويتحوّل كل هذا إلى بيزنس.
حبّا بالله، فلندع العجوز يرقد فى سلام، فبعيدا عن فشل التجربة فى العموم - عن تجربة تحويل الرويات لأعمال مرئية نتحدث - أو انتهائها على أحسن الفروض لنتائج هى أقل جودة من العمل الأصلي، رفعت اسماعيل كائن ورقي بحت، إذا حاولت انتزاعه من كتيبات أحمد خالد توفيق الصغيرة، سيتشوّه تماما .. دعك من أن تحويل الخيال لواقع غالبا ما يكون مٌخيبا للآمآل، فلا أعتقد أن د.خالد قد ترك لنا الكثير لنرسمه بخيالنا، لقد راعى الرجل وصف التفاصيل الدقيقة، بحيث لم يعد ثمّ مجال للاختلاف فى تصور العجوز العصبى الذى يشبه عصا المكنسة الصلعاء، ويدخن كقاطرة، ويحتفظ بعلبة أقراص النيتروجلسرين فى جيب حلّته الكحلية التى تجعله فاتنا.. لكن خروج رفعت للحياة فى عمل مرئى هو امتهان لشخصية لا ينبغى امتهانها، لا يمكن لأيا كان أن يؤدى رفعت، رفعت لا يؤديه إلا رفعت نفسه، وكفى.
هذا، بخلاف حسابات مواقع التواصل الاجتماعى التى تضاعفت خلال يومين بعد انتشار خبر موته، حسابات تحمل اسم رفعت وماجى وميدوسا، وقريبا عزّت وهن تشو كان والبقية، كل هذا بدا لوهلة طريفا، فعلى الصفحة المعنية بتنظيم حفل تأبين رفعت -بالمناسبة فكرة الصفحة بحد ذاتها لطيفة للغاية، التواجد هناك مٌريح فى حد ذاته - كان طريفا أن تجد تساؤلا من حساب باسم رفعت اسماعيل عمّا يحدث هنا، وتوبيخا من حساب آخر باسم ماجي ماكيلوب عن أنه مات دون أن يعلمها، كل هذا لطيف ومطمئن طالما استمد وجوده من تلك الوريقات المصفرة، طالما التزم القائمون على تلك الصفحات بقواعد اللعبة، طالما استمدوا عباراتهم اللطيفة من الكتيبات الصغيرة ، لكن الخوف كل الخوف من فكرة ال abuse الذى هو نمط حياة مصري خالص، سرعان ما ستجد مئات الحسابات باسم رفعت اسماعيل، وماجى والآخرين، ربما سيبدأ أحدها فى تبني موقف سياسي بعينه، أو إلقاء نكات سخيفة، و ربما يتجه أحدها لاجتذاب المتابعين بأغراض التعارف الشخصي .. أنت فى مصر يا عزيزى، حيث التشويه دستور الأشياء ..
لهذا، والنداء إلى من يهمّه الأمر وأحسبنا كثيرون، دعنا لا نبتذل تلك الكتيبات الصغيرة التى شكلت مراهقتنا وشبابنا، لا تفسدوهن يا أناندا .. لا تشوهوهن يا أناندا .. "اتركوا لي ما تبقى مني" أو كما قال .
* من قصيدة أمر طبيعي لتميم البرغوثي.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قول ما بدالك