الخميس، 15 أغسطس 2013

رسايل إلى "ريما" - رسالة رقم 1

عزيزتى ريما
مساء الخير ..
أكتب إليك الآن من البيت الكبير فى مصر الجديدة ، لم يكتسب بعد وصف - البيت الكبير - فمازال سكّانه صغارا فى نظر أصحاب البيت - أمى و أبى .. ولم يغادره أينا لا لموت ولا لحياة جديدة ..
أكتب إليك من شارعنا الهادىء فى مصر الجديدة فى مساء الخامس عشر من آب - أغسطس ، وطلقات الرصاص تهدر بين الحين والآخر فى الخارج ..
أغسطس - الإمبراطور الرومانى الذى سمى الشهر الثامن الميلادى باسمه ، والذى اشتهر عصره بالسِّلْم الرومانى ، لقلة الحروب وازدهار الامبراطورية الرومانية .. حسنا ، هاهى طلقات الرصاص تهدر من جديد لتذكرنى أن تلك الأيام الهانئة انتهت منذ زمن بعيد و لم يبق لأغسطسنا سوى الدماء الممتزجة بوحل الطرقات ودوىّ الرصاص .. وصور الجثث التى تتزايد كل لحظة على الانترنت ، ومع كل صورة اسم ، ولكل اسم عدة حكايات .. ولكل حكاية أصل من الحقيقة تتناقله ألسنة الرواة .. ولكل لسان طريقة يقول بيها الحقيقة ..
أكتب إليك يا ريما لحاجة مُلحّة - قد لا تبدو عادلة بحقّك تماما - لمشاركة هذا الخراء الطافح مع أحدهم ، لاسيما أنتِ .. الباقون غارقون حتى أنوفهم فى الخراء ذاته ، أفكارهم تلوثت بالخراء والخراء المضاد ولم يعد هناك موطئ للمزيد من أى شىء ، حتى أولئك الذين يفتعلون اللامبالاة ، بداخلهم من خرائب الآمال التى حطمتها عبثية الأقدار بساديتها المعتادة ما ينضح بخراء مماثل على اختلاف الظروف والملابسات ..
العالم ينتهى يا ريما .. أخشى أن ينتهى العالم قبل أن أراكِ ..
ربما وصلتك رسالتى يوما ، وربما لا
ربما نجحت مشاعرنا فى الإفلات من صدرونا إلى كلمات دون الانغماس فى مستنقع الابتذال الذى يحيطنا من كل اتجاه ، وربما لا ..
ربما أفلحت الموسيقى فى خلق عالم آخر ، وربما تمكنّا من الفرار إليه، وربما لا ..
أنا لا أدخن يا ريما ، أنت تعرفين هذا جيدا ، ولكننى بحاجة إلى ما يحرق صدرى الآن ، ربما حينها يبدو هذا الضيق منطقيا ..
لن أسرد تفاصيل اليوم، ولا أعداد القتلى، ستعرفين هذا يوما ، وربما سألكِ أحد مدرسى التاريخ فى المدرسة الثانوية فى بجاحة عن أعداد قتلى أحداث اليوم ، وربما استدعانى ذات صباح يشكو من إصرارك العنيد على وصفهم بالقتلى لا الشهداء ..
القادم أسوأ يا ريما ، ونحن لا ناقة لنا ولا جمل فيما يحدث الآن سوى سادية القدر التى ألقتنا فى هذا المربع الدموى من الصحراء .

إلى أن نلتقى
جنّه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قول ما بدالك